Harith's Space!

In "Harith's Space!" I share some personal feelings, memories, thoughts and observations. Help me to make this space positive by allowing me to learn from your feedback.


من الصعب أن تستخلص تجربة فور انتهائها. وحتى إن حاولت ققد لا يكون استخلاصا صحيحا ولا شاملا ذا عبر ودروس مستفادة. فقد لا تفهم حدثا أو موقفا إلا بعد سنين ، أو لا تفهم قولا إلا بعد سماعه من جديد. وزيارة أي بلد جديد إنما هي تجربة كغيرها من تجارب في حياة لا شيء فيها سوى التجارب. وتخليص هذا النوع من التجارب إنما هو من التحليل.. وفي العلوم والهندسة التحليل هو من أهم وأخطر المراحل في أية تجربة ، فقد توصلك لنتائج قد تتحول بمرور الزمن إلى حقائق وقناعات. ومما يزيد هذا النوع من التحليل صعوبة أنه لا يستند إلى أي أرقام وبيانات ، وإنما هي نتاج ملاحظات ، ومطالعات ، ومشاهدات ، وأحاديث. ولأن العقل يعمل بصورة مقارنة لما هو مخزون فيه كي يحلل ، فإن خلاصتي عن الهنـد اليوم إنما هي نتيجة لهذه العوامل مجتمعة مقرونة برؤيتي ، ولذا فقد يختلف معي جمع ويتفق معي جمع آخر.

***

أحببت الهند كما أحببت أهلها. فهم شعب عريق ذا تاريخ وجذور.. فخور معتز بكل شبر من بلده.. سعيد لرؤية الأجنبي فيكرمه ويحب أن يريه أجمل مافي بلده.

يمكنني أن أصنف الهند سكانا لثلاثة طبقات. الأولى فاحشة الغناء فلا تتعامل إلا بلغة ملايين الدولارات ، والثانية ضالعة في فقر رهيب فلا تعرف إلا قوت يومها ، وتخطئ إن أحصت نقودا أكثر من مائة روبية. أما الطبقة الأخيرة فهي لا فقيرة ولا غنية ، فهي بينهما ولكن تكاد لا تراها.

سؤال ظل يراودني.. كيف مع كل النعشة الاقتصادية التي تعيشها الهند فلازال الفقر يعاني منه نصف سكانه البالغ بليون نسمة. عرفت أن الغني يزداد ثروة فأصبح يستثمر ماله في نيويورك ودبي. والفقير فلازال على قوت يومه يصحو ويغفو. أما الطبقة الوسطى فأصبحت تبين أكثر. فمع تسابق الشركات الأجنبية على الهند توفرت ملايين فرص العمل بمالغ زهيدة للمستثمر الأجنبي.. أما للهندي فهي مبالغ جيدة جدا. سألت فقيل لي أن متوسـط دخل الهندي في ارتفاع سنوي قدره 15%. وهو رقم كبير.

رغم فارق الزمن الكبير بين الهند وأمريكا الشمالية وأوربا ، ورغم مجازفات الشركات بنقل أعمالها إلى دولة من دول العالم الثالث من أجل عمالة رخيصة فهي لا تزال تتجه صوب الهند. قد سمعنا عن دولا كالصين والبرازيل قد أصبحتا متقدمان جدا في مجال تقنية المعلومات ، ودولا أخرى في أوربا الشرقية ومع ذلك لا تزال الهند الخيار الأول. فما الذي جعل الهند تتغلب عليهم بهذا الفارق الشاسع؟ السر يكمن في كلمة واحدة.. اللـغـة! هل تعلم أن اللغة الانجليزية هي المشتركة بين كل خريجي الجامعات الهندية؟ التعليم في الهند متقدم جدا وهو سبب رئيس آخر لوفرة العمالة الجاهزة. كل الكتب الصادرة من مطابع أمريكية وأوربية تعاد طباعتها في الهند بمالغ زهيدة فتكون متوفرة في أيدي الجميع.

***

لإنجاز أي تقدم اقتصادي لابد من استقرار سـياسي. فالاقتصاد هو العامل الذي يبني ، والسياسة هي الحارس الذي يحمي. والهند مستقرة سياسيا رغم التعداد السكاني الرهيب ، والخليط العرقي والديني. فهي مع ذلك كله تعرف بأكبر ديمقراطية في العالم. فلماذا فشل السودان - وهو سبب حديثي ومثال مقارتني – ونجحت الهند؟ أهم أكثر ذكاءا؟ ليس من الضروري!

يحكى أن وفدا سودانيا رفيع المستوى زار اليابان في أوائل الستينات لتبادل الخبرات والاستفادة من التجربة اليابانية. فقال الوزير السوداني مازحا لوزير ياباني آخر:

- أستعجب كيف وصلتم لكل هذا رغم ذكاءكم المحدود!

فرد الياباني:

- وأنا أستعجب حالكم وأنتم بكل هذا الذكاء!

وقد كان ذاك الحديث في الستينات!

لعل الهنود أكثر حكمة.. أو لعله ذلك الجين.. جين المنافسة الذي يجري في عروقهم. فقد تمرسوا في المنافسة فيما بينهم حتى وجدا نفسهم يفوقون دول الجوار! أو قد يكون ذلك النهج الحكيم الذي تركه غاندي ، فجعل لحكوماتهم بعد نظر سياسي مميز.

الحكومات الهندية منذ الاستقلال في أربعينيات القرن الماضي نهجت نهجا قد يكون قريبا إلى سويسرا. فهم لا يغضبون لا أمريكا ، ولا إيران ، ولا روسيا ، ولا حتى اسرائيل! وفي نفس الوقت لا يتراشقون مع هذه الدول فتصبح معوناتها عبئا سياسيا ثقيلا فتسّير أمرا رغم إرادتهم. كل ذلك بحكمة وهدوء ، دون قرارات سياسية متهورة عشواء. الهنود ربما عرفوا أكثر من أي مستعمرة أخرى كيف يستثمروا الاستعمار الانجليزي. فتعلموا الديمقراطية والهدوء في اتخاذ القرار السياسي ، وعرفوا كيف أن التعليم هو سر تقدم الأمم وتأخرها ، وعرفوا أن لا صناعة متقدمة دون بنية تحتية متطورة وشبكة مواصلات متقدمة.

لا أخفي سرا أن أمورا أخرى لم تلق إعجابي كعدم النظام وعدم احترام الصف والمرور والمواعيد. ولكن إن جئت للحقيقة فهذه أمور تعاني منها دول العالم الثالث كلها ، وليست الهند لوحدها ، ولذا فلن أعطيها وزنا كبيرا في التحليل. لأني تعودت -أو أحب أن أعوّد نفسي- أن لا أبخس الناس حقها وأن لا أدقق النظر في النقاط السوداء الصغيرة!

مرة أخرى أقولها.. أحببت الهند تماما كما قالت لي تلك العجوز الأمريكية:

- سترى في الهند أشياءا ستحبها وستتمنى أن تعود لرؤيتها من جديد!

3 يوليو 2007

سان فرانسسكو

مازلنا في بونا.. في فندق

Sun-n-Sand

(نيلم) هي مسئولة الخدمة في مطعم الفندق الرئيسي حيث أتناول أنا وزملائي الافطار كل صباح قبل الخروج للعمل. ونيلم فتاة رقيقة وجميلة.. قد تكون في الخامسة والعشرين. تستقبلك كل صباح بابتسامة جميلة ، ثم تودعك وأنت في طريقك للعمل بابتسـام يدخل في نفسك تفاؤلا وحيوية!

كل هذا جميل.. لك ما أجمل وفريد هو ذاكرتها الحديدية في تذكر أسماء ضيوف الفندق! في كل صباح يمر عليها عدد لا يقل عن مائة نزيل ، فتستقبل وتودع كل ضيف باسمه دون خطأ أو الحاجة للرجوع إلى ورقة أو مذكرة. قي أول يوم ذهبنا للإفطار كان معها ورقة عليها أسماء النزلاء الجدد ، فسألت كلٌ من اسمه ، ثم نظرت لورقتها ودونت شيئا ربما ليساعدها على تذكر أن هذا الشخص الذي أمامها أو المكتوب في هذه الورقة!. وفي اليوم التالي ، استقبلتني عند مذخل المطعم فقالت (صباح الخير مستر عمر).. تخيلت أني سمعت (مستر عمر) في تحيتها ، ولكني اكتفيت برد التحية وقلت في نفسي لعلي سمعت ذلك خطأَ فلم أفكر في الأمر كثيرا. وعندما كنت مغادرا قالت (أتمى لك يوما سعيدا مستر عمر).. فنظرت لها متعجبا ثم سألت:

- هل قلت عمر؟

فردت ببراءة "نعم" وأردفت:

- أليس هذا اسمك الأول ؟

قلت وأنا لا أزال في دهشتي:

- إسمي الأول هو حارث ، وعمر إنما هو اسمي الثاني.

قالت:

- أي إسم تفضل أن أناديك إذا؟

قلت:

- عمر.. لعله أسهل في النطق!

حكيت لاحقا لزملائي ، فقالو أن نفس الشيء قد حدث معهم! ومن يومها لاحظت أنها تستقبل وتودع كل نزيل باسمه ، وتعرف عن ظهر قلب من منا يشرب القهوة ، ومن يشرب الشاي بحليب وبدون حليب!

***

الضيافة في المطاعم الهندية مميزة وتختلف من أي مكان زرته من قبل. الأمر الوحيد الذي يفعله الزبون لوحده هو إدخال الملعة أو الشوكة إلى فمه ودفع الحساب! كل شيء آخر يقوم الجرسون بفعله لك. وبمجرد تأهبك لدخول المطعم ستجد أن أحدا قد فتح لك الباب ، ثم يهيئ الجرسـون الكرسي لجلوسك ويضع المنديل على حجرك. وعندما يأتي بالماء أو العصير سيصبه هو بنفسه في كوبك ، كذلك طعامك. ثم يحوم حول طاولتك ليراقب إن احتجت لمزيد من الماء أو الطعام ، وإن رآك تجرأت لتزيد من طعامك فمسكت بالملعقة لتضع مزيدا من الكري الشهي في طبقك سيهب عليك مسرعا ليقوم هو بذلك.. فأنت بذلك تجرأت وتدخلت في اختصاصه!

أما أجمل شيء في المطاعم الهندية هو طريقة غسل اليدين بعد الفراغ من الطعام. ففي أي مطعم (دون استثناء) يُقدم للزبون وهو لا يزال في طاولته طبقا مجوفا كطبق الشوربة ، ويكون عادة من النحاس أو مادة شبيهة. يكون في ذلك الطبق ماءا حار نسبيا وشريحة ليمون "فتمصمص" أصابعك وتمسحهـا بالليمون لتزيل رائحة الطعام من الأصابع والأظافر. وحسب رقي المطعم قد تجد بعض الإضافات ، كأن يكون الماء برائحة الورد ، أو تجد وردة حمراء في انتطارك!

9 يونيو 2007 – سان فرانسسكو

Subscribe to: Posts (Atom)