في نفس الصف كان لنا مدرسا لمادة العلوم اسمه (عبد الصمد).. قصير القامة ، مملتيء وله صلعة لامعة كالتي وُعدت بها! كان صعبا ، ولم يكن محبوبا. في مرة حضر إلى الفصل بخلق ضيق فراح يشخط ويعلو صوته كل حين. ثم بدأ يصحح الواجب وعندما نظر لدفتري وجد خطأ ما ، فقد جاوبت سؤالا آخر فرسمت شيئا غير المطلوب! فخرج عن طوره وأتى بقلم السبورة الأسود ورسم اشارة ( X) كبيرة على الرسم وكل ما سبق من الدروس والواجبات ، ثم رمى الدفتر على الأرض. عدت للمنزل وأخفيت الدفتر جيدا من والدتي. فبتفكير طفولي بريء لم ألم شخصا سوى نفسي ، ولم أفكر أن الأستاذ قد بالغ في ردة فعله. ولكن في نفس المساء قال لي صديق (المعز سيف بلال) وهو يكيرني بسنوات ومعي في نفس المدرسة ، أنه كان يساعد استاذ عبد الصمد في جمع الدرجات وقد رأى درجتي صفرا على كل الواجبات. عندها فقد أحسست أن الموضوع يحتاج لتدخل عاجل من الأمم المتحدة.. فخبرت والداي. وأذكر أنهم انزعجوا بشدة بعد رؤيتهم للدفتر فقررا دون إعلامي أن تتصل والدتي بالمدرسة والتحدث إلى الاستاذ. ووالدتي بارك الله فيها ، أكثر حكمة ومرونة في هذا النوع من المواقف فتعرف تماما كيف تشد ومتى تلين. أما والدي أعزه الله بالخير فبرغم طيبة قلبه فإن جينات أجداده العساكر بيناشينهم وسيوفهم مطبوعة فيه بقوة ، فقد يصّعد الموقف ويعتبره إعلان حرب!
اتصلت والدتي بالاستاذ وعبرت له عن انزعاجها. وأعلمته أن والدي طبيب للأمراض النفسية ، وهو مسافر ولا يعلم عن المشكلة. ولكنه إن عرف فقد يشتكيه إلى وزارة التربية والتعليم فقد أثرت في نفس الطفل المسكين! لم أعرف أن والدتي قد اتصلت حتى عدت للمنزل ، ولكنني أحسست أن شيئا ما قد تغير في استاذ عبد الصمد في ذلك اليوم! فقد جاء إليّ وقال شيئا كـ (إوع تكون زعلت مني يا حبيبي؟) وبالطبع لم أعرف بماذا أرد! (حبيبي؟ .. أستاذ عبد الصمد؟) لا يمكن! قال (أنا عاوزك تعمل كشكول جديد وتجيبهولي الاسبوع الجاي).
ومن يومها أصبحت الطفل المدلل لأستاذ عبد الصمد ، فأصبحت أنا الذي يرسلونني إلى الإدارة ، وأنا الذي أراقب الصف عندما يخرج الاستاذ من الفصل ، وأنا الذي يوزع الدفاتر على الطلاب وأنا وأنا وأنا! حتى جاء يوم خفت فيه من الإفراط في الدلال.. فقد كان لدينا حصة ما وكان في الحصة السابقة قد امتحنا في مادة العلوم. طرق الباب.. فإذ بأستاذ عبد الصمد على الباب يقول للأستاذ الآخر أنه يريد التحدث إليّ لدقيقة. وبالفعل خرجت معه ودعاني لمكتبه وفتح ورقة الامتحان. قال بمودة مصطنعة (انته مازاكرتش كويس ولا ايه يا حارس؟) ثم أردف قائلا (اشطب اجابتك دي واكتب ... ، وكمل التعريف ده واكتب ...) عدلت ربما ربع ما كتبت ، وأنا مخلوع من فرط الدلال! وفي اليوم التالي أعاد ورقة الامتحان وكانت درجتي 14 من 15 !!!