Harith's Space!

In "Harith's Space!" I share some personal feelings, memories, thoughts and observations. Help me to make this space positive by allowing me to learn from your feedback.



From SudaneseOnline.com

...وتحققت المعجزة فى مصر على يدى الكابلى !!

أسماء الحسينى

Alshareefaasmaa224@hotmail.com

كانت ليلة من أبهى الليالى تلك التى استقبلت فيها نقابة الصحفيين بمصر وهى فى أبهى حلة الفنان السودانى الكبير الدكتور عبد الكريم الكابلى من أجل تكريمه ،هذا الرمز والعلم السودانى ،الذى جمع بين الأدب والثقافة والشعر والغناء والتلحين والبحث فى التراث والأدب الشعبى السودانى .

حيث تجمعت أعداد كبيرة من المصريين والسودانيين لتحية هذا الفنان الكبير الذى وقف يصدح أمام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قبل 48عاما بأغنيته الشهيرة أنشودة لآسيا وأفريقيا للشاعر الكبير تاج السر الحسن ،وتقول بعض أبياتها المؤثرة التى رسخت وأرست حب مصر فى الوجدان السودانى :

مصر ياأخت بلادى ياشقيقة

يارياضا عذبة النبع وريقة ياحقيقة

مصر يا أم جمال أم صابر

ملء روحى أنت يا أخت بلادى

سوف نجتث من الوادى الأعادى

ولقد مدت لنا الأيدى الصديقة

وجه غاندى وصدى الهند العريقة

صوت طاغور المغنى بجناحين

من الشعر على روضة فنى

يادمشق كلنا فى الفجر والآمال شرق

وقد عاد الكابلى اليوم ليغنى الأغنية ذاتها ،لكنه يفعل ذلك فى ظل ظروف مغايرة تماما عن تلك التى غنى فيها أغنيته أول مرة ،يوم كان المد الثورى يجتاح العالم العربى وحركة عدم الإنحياز فى أوجها وحركات التحرر الوطنى تتقدم فى قارتنا السمراء لتنفض عن كاهلها نير الإستعمار وآثاره .....جاء الكابلى هذه المرة بأغنيته التى كانت تلهب حماس الجماهير والقادة فى الستينات ،ليغنيها اليوم فى القاهرة قلب العروبة المكلومة المبعثر كيانها التى تتقاذف دولها أنواء كثيرة ،جاء الكابلى ليثير شجون الجماهير وحماسهم ويبعث فيهم الروح والأمل من جديد ،لتلتهب الأكف تصفيقا وتسبح الأرواح مع صوته فى السماوات العلى .

إن حديث الكابلى يطرب مثل غنائه تماما ،ولقد بدأ حديثه كلاما حلوا يعبر عن الإمتنان لتكريمه ،ثم شعرا ينساب جداول من شهد وعسل ،وهذا الرجل إذا تكلم تمنيت ألايصمت أبدا ،يستمتع بحلو حديثه وفنه المثقفون والعامة على حد سواء.

ما أجمل شعره الذى يحمل قبسا من ضياء روحه الصافية النقية التى ترك فيها التصوف الذى يدعو إلى التسامح والمحبة أثرا واضحا ،ويحمل أيضا خلاصة رؤيته وفلسفته وحكمته فى الحياة ،سواء تلك القصيدة التى تحدث فيها عن روضة الأطفال ،وفيها يغبط الأطفال على عيش السعداء ،ويتمنى لو ظللنا نحمل روح الأطفال فى دنيانا ،لانتخلى عنها أمام تقلب الحياة وصراعاتها ،أوقصيدة "التفاحة " تلك التى تتحدث عن الحياة وأحوالها أو تلك التى كتبها لانتفاضة 1985التى يختتمها بالدعوة إلى العمل .

كان الأستاذ الكابلى فى قمة تألقه يوم تكريمه فى نقابة الصحفيين بالقاهرة ،وغنى يومها كما لم أره من قبل ،وحدثت على يديه المعجزة فقد انفعل المصريون بفنه وآدائه وغنوا معه كما لم يفعلوا من قبل ،ورددوا معه أغانيه وحلقوا مع صوته فى سماوات الفن طربا وإنتشاء ،كنا فى السابق كمصريين نفهم الأغانى السودانية بصورة أو بأخرى تتفاوت من شخص لآخر كل على حسب كسبه،و لكننى شعرت ان الكابلى فى هذه الليلة جعلنا جميعا نتذوق الفن السودانى ونطرب له كما يتذوقه ويطرب له السودانيون ،وقد أكد لنا الكابلى فى تلك الليلة الرائعة أن السودان يذخر بغناء جميل وطرب أصيل يستحق أن تصغى له الآذان وتهتز له القلوب .

لم أر مثل هذا المشهد من قبل ،وعذرت إخواننا السودانيين الذين كانوا يعيبون علينا دوما أننا لانتذوق الفن السودانى ولانحاول فهمه ولانلقى له بالا ....لكن ها نحن اليوم ننفعل به ...نغنيه ونشدو به ونترنم ....لم أصدق عيناى وأذناى ....هل ماأرى وأسمع حلما أم علما .....شعرت أن معجزة إلهية قد تحققت على يدى الكابلى ،لنستمع ونستمتع بهذا الفن الجميل والكلمات الراقية بهذا الشكل الكبير .

كنت من قبل أجتهد لكى أفهم الأغانى السودانية ،وأطرب حينا وأبعد حينا ،وكنت أقول لأصدقائى وإخوانى فى السودان :ماذا لو قدم السودان كل عام أغنية ليفهمها المصريون والعرب كما فعل الراحل سيد خليفة ؟

فيجيبوننى غاضبين :أنتم لاتريدون فنانين ولافن ،انتم تريدون مهرجين وتهريج ...إن أغنيات سيد خليفة الحقيقية لم ولن تسمعوها ،والأغنية أو الأغنيتان اللتان تسمعوهما لاتعبران عن فنه الحقيقى .

أقول لهم :ماذا لو قربتم الفن السودانى للأذن المصرية والعربية ؟

فيقولون لى محتجين :ليس مطلوبا منا ان نقطع أذننا لكى نقترب من أذنكم .

أقول لهم : افعلوا كما فعلوا فى مدحة مصر المؤمنة بغناء شرحبيل أحمد وعلى الحجار وإيهاب توفيق ومى فاروق وفرقة عقد الجلاد.

فيردون ساخطين :خربتم المدحة ....الله يسامحكم .

فأقول لهم :لا عليكم اسمعوا المدحة السليمة اللى عندكم واتركوا لنا "الخربانة" !!

يقولون لى : أنتم لاتهتمون بالفن أو الفنانين السودانيين ،ولاتستمعون إلا لأنفسكم فقط .

فاقول لهم :معكم بعض الحق والأمر يحتاج إلى سعى متبادل ،ولكن هذا الأمر ليس موجها نحو الفنانين السودانيين ،والدليل على ذلك أننا لم نكن على سبيل المثال نعرف أحدا بشكل واسع من العراق حتى جاء كاظم الساهر ليسطع نجمه بكلمات نزار قبانى ، وقس على ذلك العديد من الأمثلة من الفنانين العرب قبله وبعده الذين جاءوا إلى مصر وصاروا جزءا من كيانها .

....كان هذا حديث الماضى ،أما اليوم فنحن فى شأن آخر ،ليس فيه أنتم ولانحن ،بل نحن جميعا معا تحت سطوة هذا الشىء الجميل ...هذا الطرب والفن الأصيل ....هذا الكشف الكبير ...الله ما أجمل ماحدث ،إنه اختراق كبير ،يجب أن يكون له مابعده .

.....هكذا قاد الكابلى جمهوره بعوده فقط ،يغنى وهم يرددون معه ...مصر يا أخت بلادى ياشقيقة .....كنت أشعر ساعتها أننا نغنى لسوداننا الحبيب .....صحيح أن السودانيين يتحدثون عن بلدهم بصيغة المذكر ،ولكننا فى مصر نتحدث عنها بلغة التأنيث ....كنت أشعر أننا نغنى للسودان الحبيب ..لأرضه الحميمة ولرياضه العذبة ....للسودان الحقيقة التى أصبحت منا ملء الروح والفؤاد ،نغنى له وللوادى كله مؤملين فى فجر جديد طال إنتظاره .

وإذ نكرمك اليوم ياسيدى فى القاهرة فإننا نكرم فى شخصك كل الرواد والمبدعين والمفكرين فى سوداننا الحبيب ،الحاضرين منهم والغائبين ،الموجودين منهم ومن رحلوا عن دنيانا ....نكرم فى شخصك ياسيدى محمد أحمد المحجوب وجمال محمد أحمد والتيجانى يوسف بشير والهادى آدم والطيب صالح وعبد الله الطيب وعثمان حسين ومحيى الدين صابر ....نحيى فى شخصك ياسيدى محمد الفيتورى ومحمد المكى إبراهيم ومحمد المهدى المجذوب وشرحبيل أحمد وتاج السر الحسن .....نكرم فى شخصك ياسيدى فرانسيس دينق ومحيى الدين فارس وإبراهيم الصلحى ومحمد سعيد العباسى وسيد خليفة ومحجوب شريف وإبراهيم الكاشف ومحمد الأمين ومحمد ميرغنى وصلاح بن البادية .

....نحيى فى شخصك ياسيدى قائمة طويلة من المبدعين والفنانين والمثقفين السودانيين ،الذين يصعب حصرهم جميعا ،والذين طال تجاهل أمتهم العربية لهم ،وآن الأوان لتكريمهم جميعا ،وخير تكريم لهم هو التعريف بأدبهم وفنونهم وإنتاجهم الغزير فى جميع مجالات الإبداع .

وإذ نكرمك اليوم فإننا نكرم فى شخصك وطنك السودان الذى له مكانة كبيرة فى قلوبنا ،لم يتم التعبير عنها بعد بالشكل الذى يليق بها ،وآن الأوان للتعبير عنها عبر التضامن والتعاضد مع السودان والالتحام ببنيه .

وإذ نكرمك يا سيدى فإننا نكرم فيك أدبك الرفيع وتواضعك الجم وثقافتك العالية واهتمامك بأدب وتراث وطنك الشعبى ....نكرم فى شخصك الرسالة العظيمة التى حملتها من أجل وحدة الشعب السودانى ....فأنت ياسيدى وأفراد قبيلتك من المبدعين فى كل المجالات من وحدتم الوجدان والمشاعر والعواطف واللغة فى السودان .

وإذ نكرمك ياسيدى اليوم فإننا نضع على كاهلك ومن ورائك من المبدعين فى السودان مسئولية نعلم أنها كبيرة ،ولكن الفن باستطاعته تحقيق ماتعجز عن تحقيقه السياسة .

وبالفعل كان تكريم الكابلى بالقاهرة تكريم لكل المبدعين الذين أثروا الوجدان السودانى بالفكر والفن والأدب ،فهو خير سفير ليس فقط لصندوق الأمم المتحدة للسكان ،ولكنه خير سفير للمحبة والإخوة والإنسانية ،وخير سفير للسودان والوادى كله .

آخر الكلام :

حبك للناس خلانى أحبك تانى

فيك الإحساس نسانى أعيش وحدانى

أنت نغم رنان

ما أنت عشم فنان زى حالى

عارفك ساحر أزمان قبالى

وأزمان هتضوى كمان وليالى

وصلت في عصر يوم كان للمطر والغيم سيادة وغلَبَة ، فلم أنعم برؤية أي شيء من نافذة الطائرة سوى سحبا وغيوما أخلت بسكون الطائرة فأدخلت في نفس (البوينج 777) حرجا كثيرا وهي تظهر الثقة ، وتدعي الثبات. السفر متعة ومشقة ، وما من متعة أكبر من أن يسافر معك أحدا كصديقي إبراهيم مأمون ، فتختفي المشقة وتظل المتعة. فضحكنا وكأننا لم نضحك من قبل وتوادعنا وكأننا لن نلتق من جديد!

لا أذكر من قال بأن قيمة البلد في انسانه ، ولكن مهما كان فقد صدق. والصدق أصدق عندما يأتي ذلك لوصف الشعب الياباني. فلو سألت ما أكثر ما أثار إعجابي في اليابان ، لأجبت دون تفكير كثير وقلت (الناس)! أعجبني روح وطريقة اليابانيين في التعامل. فإن سألت أي شخص.. غريبا كان أم قريب لأجاب سؤالك بكل إخلاص وتفاني حتى ولو لم تخدمه اللغة. فمن المستحيل أن يجيبك بسرعة بعدم المعرفة ، بل سيحاول التفكير والتحليل والاستنتاج ، كي يأتيك بأحسن وأدق إجابة مدعمة بالأدلة وأدق التفاصيل! لأمر ما كنت أعتقد عكس ذلك عن الشعب الياباني ، أو بالأحرى قد هيأت نفسي إلى غير ذلك تماما. ولكنني أحسست بترحاب كبير بكل الأجانب. ترحاب بعيد عن التصنع والتكلف. وهم يسعدون جدا ويقدرون كذلك إن حاولت نطق كلمة يابانية في السؤال أو الشكر.

قول أخير.. إن زرت اليابان ومرّت عيناك على كل ما تراه مرور الكرام ، ودون تركيز أو تأمل فقد ظلمت شعبـا! فالسر في اليابان لا يكمن فقط في التأمل في كل ما يبدو غير عادي ، بل يتعدى ذلك في إدراك الشبه بين الأشياء المختلفة ، والتشابه بين الأشياء المختلفة! فإن أدركت هذه الأشياء ، وتمعنت في سلوك وتصرف الناس لتوصلت إلى جوهر الأمر. ومهما قلت ووصفت فستظل دائما الحقيقة أروع من الخيال!

حتى حين قريب لم يُكتب لي رؤية أي من دول جنوب شرق آسيا. كان بلا شك لذلك الجين دورا في إدخال زعزعة وقلقا داخل نفسي يعلن أن معاد السفر قد وجب! أليست الدنيا إلا ملاذا لأجساد مرتحلة ومُرحَّلَة؟!

فكرت في أي إتجاه أنطلق هذه المرة فقررت السير غربا وبالتحديد لأي من دول جنوب شرق آسيا ، وبالتالي كان لابد لليابان أن تكون مفتاحي لمعرفة هذا العالم العجيب. قررت اليابان لأكثر من سبب ، أولها يعود إلى بعض من ذكريات الطفولة والرسوم المتحركة! وثانيها أن اليابان كبلد تحكي عن قصة نجاح.. لبلد وصل إلى ما هو عليه بعد علقة ساخنة بدت لكثيرين وكأنها الضربة القاضية ، ولكنها مع ذلك قامت كالملاكم العنيد لتعلن الصمود ، لتعود من جديد إلى سباق التحدي. وأمام كل قصة نجاح لابد أن يكون لنا وقفة كي نفكر ونقارن ، وإلا فلن نتعلم ولن يُكتب لنا النجاح.

أما السبب الأخير الذي دعاني إلى تحديد معاد السفر في يومه وتاريخه رغم قربه من سفري للهند هو أن أخي (إبراهيم مأمون) قال أنه سيكون في اليابان في رحلة عمل في منتصف إبريل. فقلت له أما حان وقت السفرة التي طالما تحدثنا عنها؟! وبالتالي قرر ابراهيم المكوث لثلاثة أيام إضافية حتى يتسنى لنا اللقاء.

وكان اللقاء.. في 18 إبريل 2008.

ولابد أن يكون للحديث عن طوكيو بقية أخرى!

Subscribe to: Posts (Atom)