قبلت طلبه بترحاب شديد ، و أجبت كل أسئلته التقنية. وبعد أن انتهيت سأل:
- من أي البلاد أنت؟
قلت السودان. سعد جدا وقال أنه لم يلتق أحدا من السودان قد. عاد فسأل وهو يفكر:
- هل أنت من الجزء المسلم أم المسيحي؟
- المسلم...
غابت الابتسامة الكبيرة فجأة ، ولم يقل شيئا سوى اهتزازة بسيطة من الرأس تقول أن الرسالة قد وصلت.
أسند ظهره للخلف وأخذ شرفة أخرى من قهوته ، ثم وضع كوبه بقوة كالعادة ، وقد بدا أنه في مزاج للحديث المتواصل. بدأ يحكي أنه من مدينة واترلو الكندية وأنه يعيش في مدينة سان فرانسسكو لأكثر من ثلاثين سنة ، كيف جاء ، وماذا عمل قبل التقاعد ، وهواياته. وفي حديثه لاحظت أنه كان يستمتع وهو يسألني أسئلة تاريخية صعبة ، فسألني عن السنة التي حل فيها كريستوفر كولمبوس لأمريكا الشمالية ، وعن الهنود الحمر. وجميعها مواضيع أجهل عنها تماما! فراح يشرح ويشرح حتى أخذنا الحوار أكثر من ثلاثين دقيقة ، وأنا أنظر للساعة كل حين خوفا من التأخر على موعد كان مع صديقي إبراهيم مأمون.
وبين حديثه المتواصل الذي بدأت الملل منه ، وأسئلته التاريخية الصعبة ، صرت أنظر لوجهه في سراب ، وإلى فم يتراقص فتخرج عنه حروف أراها ولا أسمعها.. سأل فجأة:
- في رأيك ما هو أعظم اكتشاف توصلت إليه البشرية؟
ولأول مرة أحس أن لديه سؤال بعيد عن الملل. قلت بعد تفكير:
- الكهرباء. وشرحت لماذا الكهرباء في رأيي. تركني أكمل تفسيري ، ثم قال:
- لقد لامست جزءا من قلبي لقولك الكهرباء لأني كنت كما ذكرت مهندس كهرباء. ولكن لاحظ أنني قلت ما أعظم "اكتشاف" وليس "اختراع" ، وهناك فرق كبير.
فقلت ما هي إجابتك إذا؟ ولعل سؤالي هذا ما كان ينتظر طوال هذه المدة. تمدد على كرسيه في ارتياح ، ووضع رجلا على أخرى ، ثم قال:
- الديمقراطية.
وللحديث بقية.