سألت ما هي إجابتك ؟ ولعل سؤالي هذا ما كان ينتظر طوال هذه المدة. تمدد على كرسيه في ارتياح ، ووضع رجلا على أخرى ، ثم قال:
- الديمقراطية.
ربما قال وجهي الكثير وأنا لا أعلم ، لكن ما أذكره أنه لم تخرج عني أية حروف. كنت لا أزال أفكر في الفرق بين الاكتشاف والاختراع ، ثم جال رأسي يفكر عن عظمة الديمقراطية كما يقول صديقي الديمقراطي. أخيرا سألته ما كان ينتطر:
- كيف؟!
قال أنه يعتقد بأن الديمقراطية هي أساس السلام في العالم ، ولولا الديمقراطية لما سقططت ممالك وكنائس أبت دون تقدم العلم. هززت رأسي مبديا اتفاقا إلى حد ما ، ولما أحس بذلك أعاد نفس الكلام ولكن بصياغة أخرى ، وعندما أحس أنه لم يكسب التأييد الذي رغبه قال:
- ربما يصعب عليك تقدير دور الديمقراطية لأنك من خلفية مسلمة.
قالها ببرود وهو لا يدر أنه مس وترا حساسا! عندها فقت من كومة التخدير التي كانت لا تزال تسريني طوال فترة حديثة ، ثم قلت:
- عليّ أن أغادر لأني لدي موعد مع صديق وقد تأخرت ، لكن لدي نقطتين ردا على رأيك:
أولا ، أن الاسلام قد جاء بمدأ الشورى عندما لم يكن هناك بعد مصطلحا اسمه ديمقراطية. ووقتها الدين لم يتعارض أبدا مع العلم ، ولذلك كان العلماء في أوربا يترجمون الكتب العربية والفارسية للإنجليزية وليس العكس.
ثانيـا ، رغم قناعتي بدور الديمقراطية في العالم ، من قال بأنها تعني دائما السلام والرخاء كما تقول؟ انظر للصين فهي أكبر منافس لكم ، وهي دون شك القوة الاقتصادية الكبرى في المستقبل القريب ، ومع ذلك فهي أبعد ما تكون عن الديمقراطية التي تتحدث عنها. قال:
- صحيح ، ولكني أعتقد بأنها ستكون أكثر قوة ورخاءا لو كانت ديمقراطية.
- كيف أنت موقن بذلك؟! انظر ماذا فعلتم في العراق؟ كان قوة ديكتاتورية دون شك ولكن قوية اقتصاديا ومستقرة سياسيا. أما اليوم فهي ديمقراطية في رأيكم ، ولكن مفلسة وبعيدة كل البعد عن السلام والرخاء.
اعطيت ردي بطريقة "كش ملك" ، وغادرت وأنا أحتفظ على بسمة مصطنعة.. أما هو فتركته حائرا أعوج اللسان.
***
مر على هذه القصة شهور قليلة ، وها أنا أكتب هذه الكلمات كالعادة من مقهى (بيتس) لا زلت أرى شيخنا الديمقراطي كل يوم تقريبا. لا يزال يأتي وحيدا.. يشرب قهوته وحيدا ، ولا يزال كوبه يئن ويتوجع كل حين. صار يتحاشى النظر إلى والقاء السـلام ، وإن ابتسمت ملقيا التحية رد ببرود وكأنه لا يذكرني ، وكأن الديمقراطية قد فشلت في إثراء علاقة بين كندي ديمقراطي ، وسوداني مسلم!