كتبت قبل نصف عام لأصف كم أنا معجب بالفنان الكبير عبد الكريم الكابلي ، ولكني فشلت ولم أعطه نصف حقه. لم أكن راضيا عن ما كتبت ولم أحس أني قد أوفيت لذلك الإعجاب حقه. لكني أيقنت بأني سأعيد كتابة ذلك المقال يوما ما.. أين ومتى لا يهم ، ولكن متى شاء مَلَك الكتابة. وقد جائني حضرته (الملاك) وأنا جالس في مقعدي في الطائرة مرتحلا كالعادة.. هذه المرة من شيكاجو لسان فرانسسكو.. كنت أقرأ كتابا ممتعا لأنيس منصور ، وصوت الكابلي يرن في أذني مرددا أجمل فاصل في رائعته (ضنين الوعد): "إن تكن أنت جميلا ، فأنا شاعر يستنطق الصخر العصيا... لا تقل إني بعيد في الثرى ، فخيال الشعر يرتاد الثريا".
***
كثيرا ما أفكـر حائرا كيف أصف وأفسر كل هذا الولع. لكنى لا أعرف كيف أصف ذلك الشعور الذي يملكني كلما سمعت الكابلي متحدثا ومغنيا وعازفا؟ كيف لي أن أقول أنه أول من أتجه إليه كلما وددت الكتابة. وهو نفسه الذي أستغيث بصوته كلما وددت الاسترخاء ، والتفكر ، واتخاذ القرار. هو نفسه – عبد الكريم الكابلي – الذي أعتمد على حنجرته عندما أبدأ بعمل شيء ما وأريد أن أنجزه بتأني ومزاج!
دون مبالغة فإن الأستاذ الدكتور عبد الكريم الكابلي – وقد نال الدكتوراه الفخرية في 2003 - هو الذي نقل أذني الموسيقية من أذن نافرة مستنكرة للسلم الخماسي ، إلى أذن تكاد لا تستمتع اليوم بلحن وغناء ما إلا لو كان على ذلك السلم الفريد! قبل الكابلي كنت لا أسمع لأي غناء سوداني رغم مكتبة والداي العامرة بأجمل الأغاني السودانية. وعندما دعته رابطة الطلبة السودانيين بجامعة الإمارات في سنة 2000 لإلقاء محاضرة يتخللها فواصل غنائية ، لم أكن أعلم أن ذلك اليوم 17 مايو 2000 سيكون له أثرا كبيرا في نفسي. جاء فحاضر في تسلسل فريد فعجبني كلامه وشدتني القصص والروايات التي سردها. ثم تغنى بـ ياحلو ، لماذا ، الفافنوس وبعض الرميات. وكانت تلك نقطة التحول! فإذ بي أُسحر وكان بذلك مدخلي لسماع المزيد له ولغيره من الفنانين السودانيين. لم أكن أعلم حتى ذلك اليوم أن تلك الأغاني الثلاث أو الأربع لسن سوى جزء بسيط جدا من مكتبة عامرة بأجمل الأشعار والألحان!
وعندما زرت السودان في نفس العام - صيف عام 2000 - كنت في ذلك الوقت في مباديء طور الإعجاب بالكابلي. وكلما عرف أحد من أقربائي أني أستمع له كان يسأل إن سمعت أغنية "حبيبة قلبي". فأجيب بالنفي ، فيقولون لي أنها أجمل ما غنى ، فإن لم تسمعها فكأنك لم تسمع شيئا لكابلي! ومن يومها درت في الأسواق بحثا عن هذه الأغنية.. عن أجمل ما غنى.. فجلت في أزقة السوق العربي دكانا دكانا ، ثم السوق في بورتسودان.. ولكني كنت دائما أعود بخفي حنين. وبعد عودتي للإمارات لم أتوقف عن عملية البحث ولم أفقد الأمل فسعيت بحثا عنها ولكني لم أجد لها طريقا! وصيت في أكثر من مرة أي صديق مسافر إلى السودان أن يجلب لي الأغنية معه ، وكانو وا أسفاه يعودون إلي بنفس النتيجة التي توصلت لها سلفا. باختصار لم أجد هذه الأغنية، بل وفقدت أمل العثور عليها.. حتى جاء يوم! كنت أتصفح شبكة الإنترنت فإذ بعيني تقع على موقع أغاني سودانية لم أزره من قبل وكان (أمدر دوت كوم) ، ولما دخلت لزاوية الأغاني وجدت أغنية حبيبة عمري على رأس القائمة!! وكان بذلك مدخلي لمعرفة صاحب الموقع.. أخي وحبيبي إبراهيم مأمون حسن.
ولقصة الإعجاب بقية!