مازلنا في الهـند... الهنود بشكل عام متدينون. للدين هيبة.. وللرب أو الإله رهبة. وإن ذهبت لأي مسجد ، كنيسة أو معبد ستجده مكتظا بالمصلين في كل الأوقات. تجد المسلم منهم متمسك بدينه كذلك البوذي والمسيحي والسيخي وغيره. في الهند مئات الأديان. ففي مدينة كبونا حيث تبلغ كثافتها نحو أربعة ملايين نسمة هنالك عشرات الأديان والمعتقدات. ومع ذلك تحس باحترام الجميع لدين ومعتقد الآخر. وكأنهم سمعوا قول الرسول الكريم (لكم دينكم ولي دين). فلا يتدخل أحد في معتقد الآخر ، ولا تتدخل الدولة في طقوس ومماراسـات وواجبات الدين. فلا تجد قانونا يمنع الحجاب ولا آخر يمنع الصلاة. إن طالعت أي من الكتب السياحية عن الهند للاحظت أن معظم الأماكن السياحية ماهي إلى أماكن للتعبد وتذكر الرب. مما يدل على أهمية الدين لهذا الشعب ومما يذكرك بأن الدين أفيون الشعوب!
في فريق العمل الذي دربناه في بونا فتاة اسمهـا (نشتا). ونشتا فتاة طيبة للغاية ومسكينة جدا.كثيرا ما تذكرني بصديقتي من أيام الدراسة (بكيت) وهي من تركيا.. وذلك لوجود صفات عحيبة مشتركة بينهما. فكلاهما طيب للغاية ولهما معدل قلق فوق الاعتيادي بكثير! تجيء (نشتا) فتسأل سؤالا في قلق... ويكون أمرا عاديا ولا يحتاج لذلك الخوف ، فتجد يديها مقبوضتين في قلق ، وعيناها جاحظتين في فزع! كثيرا ما كنت أُضحطها كلما أتت لتسأل وهي في ذلك الحال ، فأقول مازحا:
Relax, take deep breath then talk to me!
فتضحك في براءة شديدة كالأطفال حتى تختفي عينيها! في يوم كنت أساعدها في حل مشكلة ما فجلستُ في كرسيها على جهاز الكمبيوتر ، وبينما أنا في انتظار عملية ما لتنتهي رحت أنقل نظري في أرجاء مكان جلوسها فوجدت صورة لرجل عجوز.. فسألتها في براءة لعلي أفتتح حديثا يزيل ذلك القلق الذي أسمع نبضات قلبه. سألت من هذا؟ توقعت أن تقول أنه أبي أو جدي.. شيئا من هذا القبيل.. أتدري ماذا قالت؟ قالت إنه ربي!! اندهشت بشدة.. لا أدر كم ثانية قد مرت ولساني مصاب بالشلل.. هززت رأسي ايجابا وقلت بنفاق انجليزي "جميل.. جميل". أدركت حينها أن ذلك ما كان سوى أسوأ سؤال لفتح حديث.. ربما أزلت عنها القلق عندما ذكرتها بربها ، لكن عدوى القلق قد انتقلت إلي! تمعنت في بقية الموجود في مكتبها فوجد مجسم لقرد كرتوني صغير.. نظرت إليه من بعيد دون أن ألمسه أو أسأل ما هو وما اسمه حتى لا أسمع جوابا يسقط عليها نيازك من السماء فتقضي عليها ومن حولها!! ح
31-5-2007
يونايتد ايرلاينر – في الطريق من دينفر إلى سان هوزي
لازلت أذكر منظر ذلك الطفل الذي كنت أراقبه من داخل السيارة ونحن وقوف في إشارة المرور. كان يمد يده لرجل على دراجة نارية ، وكان الطفل يقوم كما يقوم غيره من الأطفال يقول كلاما غير مفهوم.. والرجل في تجاهل تام كما يقوم غيره من الرجال. مد الطفل يده كي يمس كف الرجل ليسترعي انتباهه فمس مقود الدراجة بطريق الخطأ ، فنظر بسرعة وفزع إلى الرجل إن كان قد انتبه لذلك ، ولما وجده سارح في عالم آخر راح المسكين يتحسس الدراجة ومقودها في براءة وفضول شديد ونسيَّ ما جاء لأجله!
أما أكثر الأطفال طرفا هو ذلك الذي لاحقنا فور خروجنا من تاج محل. ركض خلفنا يبيع ميداليات مفاتيح عليها صورة لتاج محل. عُمر ذلك الطفل حوالي عشرة سنوات. تعجبت ثم أُعجبت من طلاقته في الانجليزية لطفل في سنه وظرفه. استمر في ملاحقتنا وهو يشير للميداليات ويقول بانجليزية طلقة "10 روببات فقط.. 10 روببات فقط" ، فضحكت وقلت له "هذا كثير" ، فقال فورا ودون تفكير كثير "إذن 5 روبيات فقط لأجللك!" فضحك جميعنا بشدة حتى أصر زميل آخر أن يشتري منه تقديرا وتشجيعا لقدراته في فن المبيعات!!
10 – 5 - 2007 *
على طيران الإمارات من بومباي إلى دبي