Harith's Space!

In "Harith's Space!" I share some personal feelings, memories, thoughts and observations. Help me to make this space positive by allowing me to learn from your feedback.


يقولون أننا كنا وكنا ، وأن الشوارع كانت مرصوفة ومشجرة. أما عن سكك الحديد والخطوط الجوية والبحرية فتباهي وتفاخر. ويقولون أن السودان كان يحكمه نوابغ وعلامة.. فانظر أين نحن اليوم. لا تغريني ناطحات السحاب على ملتقى النينلين كثيرا ، ولا الطرق التي تحسنت ، ولا الاقتصاد الذي يزداد تحسنا. كل هذه أمور إيجابية لا جدال فيها ، ولكنها في رأيي مبنية على أساس هش. فمن المؤسف هو غياب الشخص السوداني من كل هذا التقدم ، بل وتدحرجه للدرجات الدنى. ولهذا كان في قول أحمد شوقي حكمة للأجيال: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. نسأل من جديد.. ماذا حدث ومالسبب ، فأعود وأقول مجددا أن الخلل يكمن في التربية والتعليم!

فاليعذرني الآباء وليسامحنى الأجداد وكل من ساهم في صنع الاستقلال ، ولكني أعتقد بكل أمانة بأنا حصلنا على الاستقلال قبل بلوغ سن النضوج! كالثمرة التي قُطفت قبل يومها ، فمهما فعلت وأضفت من رتوش فإنها لن تخلو من الحموضة. لطالما أحببت التاريخ ، ووجدت فيه دروسا وعبرا مستفادة ، ولهذا سأرجع إليه كي يُفهم حديثي. فعندما حل الاستقلال كان السودان لا يزال عبارة عن قبائل متفرقة لا يجمها غير اللغة والتقاليد ، وبالتالي نمت أجيال بانتماء قبلي سميك. وعندما جاء جيل منهم للتعليم في المدن أتو بنفس العقلية والخلفية القبلية لا الوطنية. فتعلموا على يد نظام تعليمي انجليزي لا يعني له السـودان كدولة شيئا كثيرا. وعندما عمل هذا الجيل في المصالح الحكومية فقد نجحوا بسبب الإدارة الإنجليزية ، ففرضت الضبط والربط والرقابة ، وبالتالي نمى جيل ناجح من الإداريين ، ومع ذلك فلم يتغير الانتماء الشخصي كثيرا ، فلا زال قبيليا وفاقدا للحس القومي. ولكي تصدق حديثي فهل حدث أن رأيت جعليا أو شايقيا يشتم قبيلته؟! يستحيل! ولكن من الطبيعي جدا أن يشتم السودان وأهل السودان ، وكأن قريته أو قبيلته من بلد آخر. على نفس المنوال ، هل رأيت مشجعا هلاليا يشتم نادي الهلال؟! كذلك يستحيل! ولكن من الطبيعي جدا أن يشتم المنتخب الوطني أو يشجع الأهلي المصري عندما يلعب ضد المريخ السوداني!

المثل يقول "فاقد الشيء لا يعطيه". وهو كذلك الجيل الذي جاء قبل الاستقلال. فالسودان كبلد لم يعني لهم شيئا كقريته أو قبيلته. فلم يربو أولادهم على حب الوطن ، وبالتالي نمت أجيال فاقدة لخصلة مهمة جدا. ولذلك لا تزال تسمع اليوم عن مدير الشركة الفلانية في البلد الفلاني لا يعين إلا أبناء القبيلة الفلانية!

يقول الشيخ محمد بن راشد المكتوم في كتابه ( رؤيتي ) أن الإدارة هي السبب الأول في سوء الأنظمة العربية. أنا أتفق معه كليا ، ومع ذلك أعتقد كغيري أن جزء كبير من فن الإدارة لا يأتي بالفطرة بل يجتاج شيئا من التعليم. وهي الحلقة المفقودة في نظامنا التعليمي. نظامنا التعليمي لا ينظر إلى تطوير الشخصية ، وتقويمها وتسويتها ، بل ينخرط بالرياضيات ، والفيزياء والشعر والمعلقات ، ويكرم من يحفظ أكثر بلا فهم ، ومن يستمع أكثر بلا نقاش. والأسوأ من ذلك كله أنه يفتقد إلى جزء مهم من العملية التربوية وهما عنصري القيم والأخلاق. ما فائدة طبيب فذ بلا أخلاقيات؟ أو مدير بنك بلا قيم ولا أخلاق؟ إن أبناء السودان يفتقدون لأبجديات الذوق والأخلاق ، واحترام حقوق الغير ، والاعتراف بالخطأ وعدم المعرفة ، وتقبل الرأي الآخر ، وأساسيات الحوار ، والاخلاص في العمل والنظام.

لم أفهم افتخار الهنود بغاندي إلا بعدما بدأت بسماع بعض أقواله ، ومنهـا واحدة في غاية الحكمة وهي التي أعمل بها فتقول (قم بالتغيير الذي تريد أن تراه في العالم) ، بمعنى آخر إن أردت أن تغير شيئا فابدأ بنفسك! يقولون أن لكل حصان كبوة ، ويقولون كذلك أن كل أمة نهضت بعد نكسة والمثال على ذلك أوربا عامة ، وأمريكا ، واليابان. ولكن اليد الواحدة لا تفعل شيئا ، فيجب أن نعمل جميعا كي نخلق جيلا جديدا ذو حس قومي.

أخي العزيز.. إبدأ بنفسك ، ولا تنتقد دون أن تصلح نفسك ومن حولك. وأنت أيها الأب الكريم ، أبنائك أمانة في عنقك وسوف تُسأل عن تربيتهما فاحسنها. وإلا فلن نصلح أبدا ، بل وسنلقي بأنفسنا في متاهة لا حول لها ولا قوة ، وإلا فخوفي كله أن تصدق فينا الحكمة القائلة:

«الشعب الذي يضع امتيازاته فوق مبادئه ، سرعان ما يخسر الأمرين»

والعذر لكن من يخالفني الرأي.. أم نسيت أنها محاولة لتحليل المفهوم وفهم اللامفهوم؟!

4 comments

  1. Anonymous  
    This comment has been removed by a blog administrator.
  2. Anonymous  

    أنا أتفق معك ياحارث ولكن إذا كنا نريد تغيير حقيقي وملموس فلابد من تأثير الحكومة وماأظن نحن عندنا خيار زي ده ...
    هاهاها ... إتخيلت نمشي لي مسؤوول نشكي ليهو من تدهور الذوق العام والأدب..
    شوف الفيديو(قديم) البيوضح إنو مشكلة الذوق والأدب أساسا جات من الجماعة الطيبين ديل
    http://www.youtube.com/watch?v=c6QImFAkYg8
    بس واصل ياحارث المحاولة ... عسي ولعل

  3. Harith Elrufaie  
    This comment has been removed by the author.
  4. Anonymous  

    Very true.

Post a Comment

Subscribe to: Post Comments (Atom)