يطيب ويحلو لي السفر عبر مدينة فينكس بولاية أريزونا. وكلما سنحت لي فرصة السفر عن طريقها كنت لها بالمرصاد! رغم أنه لم يكتب لي تخطي مطارها إلى يومنا هذا ، فلم أسمع لها صوتا ، ولم أشم فيها ريحا – وهما أكبر منشطي للذاكرة – إلا أن في فينكس شيء فريد يشدني كلما نظرت إليها من نافدة الطائرة. شيء ما لم أفهم سره إلا مؤخرا.. يشعرني بحنين ، ويجعلني كلما رأيتها وددت الخروج والتجول في شوارعها وأزقتهـا.
أذكر أنه قبل أربع سنين عندما كنت قادما لتوي إلى سان بيرناردينو للدراسة ، قلت لأخي إبراهيم مأمون عن مخطط رحلتي وبأن طائرتي ستتوقف في فينكس ، فقال بحسه الذي قلما يخطئ (عندما ترى فينكس من نافذة الطائرة ستذكر مدن الخليج.. مدنا كالرياض والكويت). وعندما رأيتها لأول مرة تعجبت من صدق وصفه ، وأحسست بالفعل أن الطائرة على وشك الهبوط في الرياض تحديدا.
ولكن بعد عدة توقفات مؤخرا وأنا في حالي ذاته بين مقيم ومرتحل.. غريب وأغرب ، بدت لي فينكس مختلفة.. أو لعلها هي ذاتها وإنما نظرتي إليها هي التي تغيرت. اكتشفت أن فينكس تشبه الخرطوم ، وليس الرياض… أم أن الخرطوم اليوم هي التي تشبه الرياض قبل أربعة سنين؟.. الله أعلم.. لكن كلما رأيتها اليوم أزددت ثفة بأنها تشبه الخرطوم ليس إلا. شوارع مسفلته بيتها جزر رملية ، طرق جانبية لا يبدو أنها سفلتت بإخلاص ، مساحات شاسعة من الرمال.. مزارع وبيوت في كل مكان.. بيتوت معظمها من طابق أو اثنين. حتى الهبوط في مطارها ليس أكثر اختلافا من الهبوط في الخرطوم ، حيث تخدعك السماء بصفائها ولونها الأزرق المريح ، حتى تفاجئك رياحها القوية بمطباتهـا المفاجئة فتطير بك الرياح شمالا ويمينا وحيثما شائت حتى تتشهد وتستغفر وتقول في خاطرك (اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده) !!